هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

د. حاتم صادق

الخبير الدولي و الأستاذ بجامعة حلوان و رئيس شعبة الميكانيكا

حقائق من حرب غزة

 

"لا يصح إلا الصحيح"، جملة تلخص سنوات من تطاول الحاقدين والمغرضين والمأجورين، الذين دأبوا على التشكيك في مصر ودورها الريادي الشريف الذي يصون ويحمي، لا يتغول ولا يتهاون. 
أخيرًا، وبعد عامين من القتال في غزة، احتضنت مصر، ومصر وحدها، مفاوضات ومراسم توقيع اتفاقية إنهاء الحرب في قطاع غزة، بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.  
على كل حال، هذا هو عهد مصر، لا تلتفت إلى صغائر البشر أو توافه الأمور، فهي دولة عريقة تعرف جيدًا متطلبات الجغرافيا وحقائق التاريخ. وما شاهدناه خلال الأيام الماضية في شرم الشيخ يؤكد أن القاهرة هي مفتاح الأمن والاستقرار في المنطقة، مهما ادعى المغرضون والخونة.  
تفاصيل الاتفاق أصبحت منشورة ومعلومة للجميع، كما أن المخاطر أيضًا مفهومة ولا تزال تشغل الأذهان، أهمها التفاصيل الكامنة في كل بند من بنود الاتفاق، فضلًا عن الشكوك في النوايا من كلا الطرفين، اللذين وصلا إلى مرحلة النهاية. فإسرائيل لم تعد تمتلك أهدافًا حقيقية لتدميرها في القطاع، وحماس لم يعد لديها ما تخسره، لا عتادًا ولا مقاومين لهم القدرة على الاستمرار بعد عامين من القتال المتواصل. 
قبل أيام قليلة، أصدرت جامعة "براون" الأمريكية دراسة حول تكلفة الحرب على غزة خلال العامين اللذين انقضيا منذ 7 أكتوبر 2023، وحتى سبتمبر 2025. وطبقًا لما جاء فيها، فقد تكبدت الولايات المتحدة تكاليف باهظة نتيجة هذا الصراع، تصل إلى حوالي 12.5 مليار دولار أمريكي. يشمل هذا الإنفاق تكاليف صيانة الجيش الأمريكي لمجموعتين من حاملات الطائرات في البحر الأحمر وخليج عدن، وإطلاق أكثر من ألف غارة جوية، بما في ذلك الهجوم على إيران، واستخدام أنظمة صاروخية باهظة الثمن للتصدي لهجمات الطائرات المسيرة منخفضة التكلفة التي تشنها جماعة الحوثي المسلحة المتمركزة في اليمن. بالإضافة إلى ذلك، أنفقت الحكومة الأمريكية 21.7 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل في الفترة ذاتها، بإجمالي 33.77 مليار دولار.  
وقد أدى هذا الإنفاق إلى خسائر بشرية فادحة، حيث قُتل أو جُرح أكثر من عشرة في المائة من سكان غزة، بينما نزح ما لا يقل عن 5.27 مليون شخص في غزة، إسرائيل، لبنان، سوريا، وإيران، ويشمل هذا العدد الإجمالي حوالي 1.85 مليون طفل نازح دون سن الثامنة عشرة. وحتى 3 أكتوبر الجاري، ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، قُتل 67,075 شخصًا وجُرح 169,430 شخصًا، ليصل إجمالي عدد الضحايا إلى 236,505، من أصل حوالي 2.2 مليون نسمة كانوا يعيشون في غزة قبل الحرب.  
على صعيد البنية التحتية في القطاع، تم تدمير أكثر من 98% من البنية التحتية - بما في ذلك الطاقة، المياه، الصرف الصحي، الزراعة، الإسكان، والرعاية الصحية - مما جعل ظروف المعيشة صعبة للغاية، لدرجة تسببت في أضرار طويلة الأمد للسكان.  
على صعيد الطرف الآخر، إسرائيل، فقد حققت نجاحات عسكرية كبيرة ضد حماس وحزب الله وإيران، ولكنها في الوقت نفسه تعاني من هزيمة غير مسبوقة على الساحة الإعلامية والدبلوماسية الدولية. وهي تواجه إدانة دولية شبه يومية من دول عديدة، بما في ذلك دول لا تزال تُعتبر حليفة لها مثل ألمانيا. في المقابل، لا تزال الولايات المتحدة، في عهد إدارة ترامب، تُمثل دعمًا استراتيجيًا حيويًا لإسرائيل، من خلال استمرار إمدادها بالأسلحة وتوفير الحماية لها في مجلس الأمن الدولي ضد محاولات عزلها ومعاقبتها بعقوبات اقتصادية قاسية. وأعتقد أن هذا التصرف مقصور على الإدارة الحالية، لأن الصورة كانت ستتغير لو نجح الديمقراطيون في الولايات المتحدة.  

طوال فترة الحرب، التي شملت جبهات متعددة في الوقت نفسه، أدت إلى تغيير جوهري في العقيدة الاستراتيجية والتكتيكات العملياتية للجيش الإسرائيلي. هذا التغيير سيعيد تشكيل تطوير قدراته العسكرية، الهجومية والدفاعية على حد سواء. وهنا يطرح السؤال المشروع: هل كانت هذه الحرب محصلتها صفر؟ هل سجلت فيها الإنجازات العسكرية على حساب الشرعية السياسية، أم أن الصورة النهائية للحكم لم تكتمل بعد؟  
الدرس الأكثر عمقًا من أحداث 7 أكتوبر هو الحاجة إلى إعادة النظر في العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية، التي اعتمدت لسنوات عديدة على مفاهيم الردع والاحتواء، على افتراض أن أعداء مثل حماس وحزب الله يمكن إدارتهم من خلال استجابات محسوبة وتحليل التكلفة والفائدة. وقد تبين أن هذا التصور خاطئ بشكل كارثي، لأنه فشل في تحليل الدوافع الأيديولوجية والدينية لصناع القرار الجهاديين، الذين هم على استعداد لتحمل تكاليف باهظة من أجل تحقيق هدفهم النهائي المتمثل في تدمير إسرائيل وإقامة كيان إسلامي بدلاً منها. بالتالي، فإن الأمور بحاجة إلى رؤية أكثر اتساعًا تستوعب الطموحات الأساسية لكل أطراف النزاع.  
لكن في المقابل، تبقى بعض الحقائق التي يفترض أن يقرأها ويستوعبها الجميع قبل الدخول في أي مغامرة غير محسوبة. أول وأهم حقيقة: أن المقاومة هدفها الإزعاج وليس التحرير، وتلك طبائع الأمور وحقائق التاريخ.

الثانية: الصراعات تحسمها موازين القوى وشبكة العلاقات الدولية، وليس الحقوق التاريخية أو الجغرافية أو الدينية.

الثالثة: إذا أردت إحداث تغيير في محيطك، فعليك أولاً إحداث تغيير في أفكارك بما يتناسب مع أدوات العصر.

الرابعة: الأزمة الفلسطينية لها خصوصية غير مسبوقة، وهي أن هناك شعبين لا يوجد بينهما أي تكافؤ في موازين القوى يتصارعان على قطعة أرض واحدة ومحدودة، لذا فإن الأقرب والأوقع لإدارة هذا الصراع يكون من خلال التسويات وليس الحلول، وهناك فرق كبير بين الأمرين.